كتب وسيم أبو مهدي أن خطة رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي لاستضافة مؤتمر لإعمار غزة بداية من ميناء العريش داخل شمال سيناء ليست مجرد تحرّك سياسي، بل بيانٌ من القاهرة عن تحوّل في حدود النفوذ الإقليمي. من نقطة العبور قرب رفح، ترسم مصر حدود النفوذ بين الحرب والتعافي، بين التزام إنساني وطموح اقتصادي.

أشار السيسي  في تصريحات سابقة إلى أن مصر لن تسمح بترحيل سكان غزة إلى سيناء، معتبرًا أي محاولة بهذا الاتجاه “عملاً من الظلم” وانعكاسًا على الأمن الوطني لمصر. ودعا المصريين إلى الرفض الشعبي لأي ترحيل جماعي للغزيين. في نفس الوقت، يشير الاقتصاديون إلى أن الاقتصاد المصري يعاني من أزمة خانقة: التضخم ارتفع، العملة محاصَرة، والعيش اليومي للمواطن المصري يتدهور. وأشار باحثون إلى أن السيسي سجّل تاريخًا في القمع السياسي، مع تراجع حرية الصحافة وتزايد الاعتقالات.

تبلغ تكلفة إعادة الإعمار في غزة وفق تقييم مشترك للأمم المتحدة والبنك الدولي نحو 53.2 مليار دولار، وقد تضرّرت أكثر من 90٪ من المساكن والبنية التحتية، بحسب تقرير صادر في فبراير 2025. تتحرك الدولة المصرية عمليًا لإنشاء منطقة صناعية وموانئ ولوجستية في العريش، تشمل صناعة مواد البناء ومستلزمات إعادة الإعمار. وتُعدّ الخطة جزءًا من رؤية السيسي التي تجمع بين الأمن والتنمية، وإعادة وضع مصر كمركز إقليمي فاعل.

مع ذلك، حذّرت شبكة السياسات الفلسطينية “الشبكة” من أن خطط “ما بعد الحرب” غالبًا ما تفرضها أطراف خارجية وتهمّش الفلسطينيين وتقسّم أدوارهم. وأفاد تقرير للمعهد الألماني للشؤون الدولية أن سكان غزة لا يرون أنفسهم ككيان منفصل لكن كجزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967، ما يستوجب أن تكون أي عملية إعمار متوافقة مع مبدأ حق تقرير المصير.

رغم أن مصر تُروّج للخطة كمهمة إنسانية، يرى بعض الفلسطينيين أنها تخدم مصالح اقتصادية ودبلوماسية للقاهرة، متضمنة توسيع منطقة العريش لتصبح مركزًا صناعياً ولوجستياً يربط شرق العرب بالمتوسّط. كما أنها تعتبر بديلاً لاقتراحات أميركية كانت تشير إلى ترحيل سكان غزة وتحويل قطاع غزة إلى منتجع، وهو اقتراح رفضته مصر والدول العربية. 

السيسي وربّما بدافعٍ اقتصادي، يسعى لجذب استثمارات خليجية وأجنبية لتخفيف الأعباء على اقتصاد مصر، لكن معضلة المواطن المصري اليوم مختلفة: فقد وُضِع تحت ضغوط مالية واجتماعية كبيرة، مع انخفاض في معدل النمو الاقتصادي الحقيقي، وارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية، ما يعكس أن بسياسات مصر هناك توجهان متقاطعان: توسيع النفوذ الخارجي، وتثبيت الداخل.

في المجال الأمني، ربطت القاهرة إعادة إعمار غزة بمنع تدفّق اللاجئين إليها كنفوذ سياسي وجغرافي، مُعلنة أن سيناء ليست بديلاً لنزوح جماعي. وفي المقابل، إسرائيل تشترط أن يستتبع الإعمار إجراءات أمنية مثل نزع سلاح غزة، وهو ما يضع القاهرة في مفترق طريق بين التزام فلسطيني بتمكين القطاع واستجابة لمطالب إسرائيل الأميركية.

يبقى السؤال قائماً: هل سيقود الفلسطينيون فعليًا عملية الإعمار ومنحهم السيطرة، أم أن مصر وحلفاؤها سيضخّون الأطر ويرسمون الأدوار؟ المؤتمر المرتقب في نوفمبر سيكشف ما إذا كانت هذه الرؤية المصرية ستحقق توازنًا بين الأمن والتنمية، أم أنها تحمل في طيّاتها إعادة ترتيب جيوسياسي على حساب الفلسطينيين.

إذا هدفت الخطة فعلاً إلى “إعادة البناء” فقط، فعلى مصر أن تؤكّد عملياً حرصها على إشراك الفلسطينيين كاملة، وضمان أن الاتفاقيات لا تُستبدل بسياسات استثمار أراضٍ أو صناعات إسرائيلية أو عربية دون إعطاء غزة قيادة فعلية. وحتى الآن، الكلمة للأطراف الفلسطينية التي ترى أن “إعمار غزة” هو أكثر من ورشة إنقاذ — هو اختبار لحقوقهم السياسية والمستقبلية.

https://themedialine.org/top-stories/transforming-el-arish-into-a-hub-egypt-positions-sinai-at-the-center-of-gazas-recovery/